عظمة هذا العالم وحضارته وما نراه فوق الأرض مدعوم بطاقة خفية لا نراها تحت الأرض، فنحن نرى الجبال الشاهقة الارتفاع على سطح الأرض ، فربما لا نعلم “الحقيقة المخفية”، هذا الجبل مدعوم بقاعدة لها امتداد في داخل الغلاف الصخري للأرض يبلغ عشرة أضعاف الارتفاع الظاهر.
الفيزيائيون يصرحون بأن المادة الملموسة لا تشكل إلا نسبة صغيرة جدًا من الكون الذي لا نعلم به، فالماديون يتمسكون بالمقياس المادي ويتجاهلون قوة ومصداقية المعيار الغيبي.
قوة العقيدة الإسلامية تتركز على الأمور الغيبية وليس على الأمور المادية، ومن النماذج التي لها مخارج في الأمور الغيبية وأخذت مراحل نمو التطور من اليرقة إلى الفراشة الحرة التي تحلق في السماء بدون قيود، حادثة كربلاء وما تحويه من نماذج في قوة العقيدة الإسلامية.
في المقياس المادي خروج الإمام الحسين (ع) في قلة من الجنود والعدة ومعه أطفال ونساء لمواجهة أسطول من الجيش يزداد على ثلاثين ألف محارب في بلد متعدد العرقيات مثل العراق، وهذه المعطيات المادية على الواقع ربما تشير إلى وقوف الإمام الحسين (ع) في اتخاذ قرار آخر في عدم المواجهة، لكن الإمام الحسين (ع) اتخذ ميزان الغيب وليس ميزان المادة، ولم يتأثر بأقوال من حوله من المقربين في عدم السير من المدينة إلى العراق.
فالحسين (ع) كشف من الغيبيات في معركة كربلاء، حيث الموسوعة الأدبية تذكر ما آثر عن الإمام الحسين (ع)، حيث قال: “من لحق بي منكم استشهد ومن تخلف عني لم يبلغ الفتح”، فلا يمكن أن يكون الفتح هو الانتصار العسكري، حيث أشار إلى الاستشهاد، فالمقصود على اتفاق الباحثين بالفتح هو النصر في الاستقامة وتثبيت أساسيات الإيمان وإيقاظ الناس على أهمية الإسلام وما يجب أن يضحي به المسلم في سبيل إعلاء كلمة التوحيد ودعم رسالة جده محمد المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم)، وتثبيت الناس على عقائدهم.
كذلك يرتفع النقاب عن رحم الأيام وما تحمله الأيام من أحاديث قادمة، وتصرح بطلة كربلاء القوية إيمانًا وعزمًا وإرادةً صلبة، فتقسم بالله في تعبيرها الاستراتيجي، وتضع بوصلة ترشد كل من يريد السير في طريق العدالة والحق بأن النصر سوف يكون على المدى البعيد بتعبيرها الذي كان له صدى إلى يومنا هذا، حيث قالت: “فوالله لا تمحو ذكرنا”، إلى يومنا هذا نرى عاشوراء تفرض نفسها عالميًا وتنطق بكلمات الحق.
فمن انتصر عسكريًا في كربلاء كان نصرًا قليلًا تصحبه شهوة الانتصار وتموت أهدافه لأنه نصرٌ مادي، فالنصر الحقيقي المخلد كان يرى بعين البصيرة واليقين ليس بعين المادية، حيث نرى كل من شارك مع الإمام الحسين (ع) في كربلاء فاز بالشهادة وخلد ذكراه في ارتباطه مع الإمام الحسين (ع) الذي يمثل شعلةً تضيءُ في كل وقتٍ وزمان دون أن ينفد وقودها.