شهر محرم وتهذيب النفس

شهر محرم من الأشهر الحرم، فيه من الأجر والثواب، وفيه تضاعف الحسنات قال تعالى: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْۚ﴾.

فالظلم وارتكاب المعاصي في هذه الأشهر الحرم يعد من كبائر الذنوب، شهر محرم كباقي الأشهر الحرم الأخرى فيه من الخصائص العظيمة ومن القداسة الرفيعة إلا أنه يتميز بإقامة المجالس الحسينية التوعوية التي تحتوي على ذكر الله وسيرة الرسل والأنبياء وذكر فضائل أهل البيت (عليهم السلام) ونشر تعاليمهم وبيان حقهم وأدوارهم في حياة الناس وتسليط الضوء على نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) وما حوته من دروس وعبر وفيه من الموعظة الحسنة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتقريب الناس إلى طاعة الله وإبعادهم عن معاصيه.

وبالرغم من أن هذه المجالس الحسينية تقام طوال أيام السنة وفيها من التوعية والإرشاد الديني وبقضية الأمام الحسين عليه السلام وإبعاد نهضته المباركة إلا أنه في شهر محرم الحرام وبالعشر الأوائل وما يتبعها من أيام هي الركيزة لتجسيد ذلك المصاب الجلل وتلك الفاجعة الأليمة؛ وأي مصيبة أعظم مما جرى على الإمام الحسين (عليه السلام) وأهله ورجاله وأطفاله حتى الرضيع.

وما أن يحل هلال شهر محرم الحرام حتى يعم الأسى والحزن ديار المسلمين وقد بكى الرسول الأعظم صلى الله عليه واله وسلم لهذا اليوم كما بكى جبريل (عليه السلام) والملائكة، والأئمة (عليهم السلام)؛ حيث يمثل لهم الكثير من المشاعر المؤلمة.

في المجالس والمآتم الحسينية يقام العزاء والحزن على مصابهم (عليهم السلام) وتكون مخاطبة الأنفس البشرية عن واقعة كربلاء المقدسة من قبل خطباء أفاضل وبأساليب متعددة بغض النظر عن الاختلاف العقائدي والتباين الثقافي، ومن أهم تلك الرسائل بعد بيان منزلتهم (عليهم السلام) عند الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم؛ خلق الترابط الديني والعاطفي مع أهل البيت (عليهم السلام) والذي نص عليه القرآن الحكيم في قوله تعالى: ﴿قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ۗ ﴾، كما أن المنبر الحسيني الشريف من مهامه الأساسية نشر الشعائر الحسينية المقدسة وفيه التربية والتهذيب للنفوس وترسيخ القيم والمبادئ الدينية والإنسانية الفاضلة والدعوة إلى الاعتدال ومحاربة الفساد والتطرف والغلو وإحياء القلوب بما هو نافع، كما أن المنبر الحسيني يتصدى للظواهر السلبية المؤثرة على مجتمعنا والتركيز على تبيانها ومعالجتها بمستوى المسؤولية الاجتماعية وتوجيه النصيحة بالتي هي أحسن لتغذي العقول والقلوب وتترك أثرًا في النفوس لمرتادي هذه المجالس أو من يقوم بالاستماع أو المشاهدة على الهواء مباشرة أو تسجيلًا.

فهل لنا جميعًا أن نكون قدوة حسنة ونموذجًا ساطعًا بأخذ الدروس والعبر من تلك السير العطرة والتي تجسدت معانيها في الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وفي سير الأئمة الطاهرين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. علينا جميعًا أن ننهل من دروس عاشوراء ما يساعدنا على مراجعة النفس وتصحيح التصرفات الخاطئة وأن نحسن النية والعمل وأن تكون ثقافتنا وتوجهاتنا ذات أهداف وغايات نبيلة وخالصة لوجه الله تعالى تخدم الدين والوطن والمجتمع.


error: المحتوي محمي