في هذه الأيام يترقب المؤمنون دخول شهر الحسين (عليه السلام) حيث الفرصة الإلهية لصعود سفينة الحسين (عليه السلام).
فيتحزم المؤمنون لحضور مجالس الحسين للعزاء والاستزادة من معارف الدين بمختلف أنواعها.
وفي ذهنهم الكثير من الشبهات التي باتت تُلقى هنا وهناك حول كل شيء ابتداء من وجود الله (عز وجل) وانتهاء بصلاحية أحكام الدين لهذا العصر.
ومع تكاثر الشبهات يزداد الحمل على الخطباء الأفاضل الذين باتوا يمثلون خط الدفاع الأول لهذا الدين العظيم.
في السنوات الكثيرة الماضية اعتاد الخطباء كما اعتاد المؤمنون على تناول الشبهات التقليدية المذهبية من عبادة القبور والعصمة وزواج المتعة وغيرها…
والآن بعد اتساع دائرة الشبهات وسهولة وصولها إلى الجميع واختلاف طبيعتها لم تعد شبهات مذهبية تقليدية؛ بل أصبحت شبهات في أصل وجود الله مرورًا بشبهات حول الحدود والعنف في الإسلام وحول النظام الإسلامي والعلماني في إدارة الدولة ووصولًا إلى أن أحكام الدين لم تعد صالحة لهذا الزمان وكذلك اتهام الدين بتعارض أحكامه مع حقوق الإنسان وامتهانه للمرأة وكذلك شبهات تعارض الدين والعلم وغيرها الكثير..
المتلقون لهذه الشبهات من عموم المؤمنين على أنواع فمنهم:
من يظل يبحث عن ردود مقنعة لا لشك عنده ولكن ليطمئن قلبه..
ومنهم من لا تثيره كثيرًا هذه الشبهات وإن لم يكن يملك الرد عليها وذلك ليقينه أن الرد موجود عند العلماء وإن لم يسمعه..
ومنهم من تظل الشبهة في نفسه لا يبديها خوفًا من اتهامه بضعف إيمانه وأن تخلع عليها ألقاب مختلفة..
وكما يعلم الجميع أن الرد على هذه الشبهات التي لم يعتد الخطيب على تناولها تختلف عن الشبهات التقليدية، بل يحتاج تناول مثل هذه الشبهات إلى إلمام بأدلة المستشكلين ومنطلقاتهم الفكرية، وبعضها يحتاج إلى إلمام بالقانون الدولي ووثيقة حقوق الإنسان وعلوم أخرى كالطب أو الفيزياء الكمية أو الاقتصاد وأدوات أخرى غير القرآن الكريم والروايات.
وأذكر هنا أن أحد الأخوة المبتعثين عندما عاد إلى البلاد وبعد أن سمع الكثير من الشبهات، وكان متعطشًا لسماع الرد المقنع سأل أحد المشائخ؛ ما الدليل على وجود الله؟
يبدو أنه من النوع الأول الذي يريد أن يطمئن قلبه، فأجابه الشيخ: أفي الله شك؟!
انتهى الدليل!
وأظن أن السائل كانت لديه مسائل أخرى ولكنه فضّل الإبقاء على ما تبقى من إيمانه بدلًا من إكمال الأسئلة.
وهذا حال جميع الأنواع الثلاثة المذكورة والتي يضرها هذا مثل هذه الردود أكثر من الإشكال نفسه.
خلاصة القول:
إنه ليس من الضروري أن يتناول جميع الخطباء الكرام الإشكالات فكثيرًا ما يكون الرد غير المقنع أكثر ضرر من الشبهة نفسها، حيث يشكك المؤمنين؛ هل فعلًا هذا هو جوابنا على هذا الإشكال؟!
هنالك من الخطباء ولله الحمد العلماء القادرون على رد كثير من هذه الشبهات الفكرية، وهناك من الخطباء من يجيد تناول البحوث الكلاسيكية من البحوث التاريخية والقرآنية والعقائدية، ولا يملك الخبرة في الإشكالات غير التقليدية.
فأتمنى ألا يندفع الجميع غيرة على الدين بالرد على جميع الإشكالات فلعل سكوتهم أنفع للدين من كلامهم.