إعادة.. الإرسال

قضايا كثيرة تزعجنا ونحن غير راضين عنها إذ أصبحنا نهتم بأمور الآخرين ومشاكلهم، فنهتم بكل شاردة وواردة عنهم ونتتبع أخطاءهم، ونتدخل في تفاصيل حياتهم ونجعل منها سوالف وأحاديث نتداولها فيما بيننا للتسلية في مجالسنا وكأننا ما عندنا شغله غير تتبع الآخرين والبحث عن عثراتهم.

نهتم بتفاصيل الأشياء المزعجة كثيرًا وكأنها حدث نتسابق في نشره فكل منا له طريقته الخاصة من الإضافة أو الزيادة أو النقصان بأعلى المستويات، ونشرها عبر مواقع التواصل لتصل هذه الأخبار إلى أكبر قدر من الناس وبسرعة تفوق سرعة البرق، فأصبحت الغيبة والنميمة الإلكترونية منتشرة بشكل واسع وبكل الحواس؛ النظر والسمع واللمس واللسان.

أصبحنا نوثق الغيبة والنميمة بكل فخر واعتراف وبالتوقيع بالاسم؛ فعندما أرسل خبرًا أو أعيد إرساله أكون بذلك قد نشرتها باسمي، فالرسالة المرسلة تحمل اسم المرسل، وغير ذلك، فنحن صحفيون ماهرون في عملية نقل الأخبار والإشاعات التي تبث الخوف وتنشر المغالطات وتغير الحقائق، وكذلك نقل المشاحنات والأمراض القلبية التي تتمثل في الغيرة والحسد وتحدث الفجوات، ونحن أيضًا مصورون مبدعون في التقاط الأحداث غاية في الدقة فنلتقط أدق التفاصيل بأدق وأحدث الكاميرات الاحترافية.

هذا هو حالنا في نقل الأخبار المزعجة، بالفعل مزعجة لأنها تزعج الجانب الإنساني في واقعنا وتكدر صفو حياة الكثير منا وتكون سببًا مباشرًا أو غير مباشر في الكثير من المشاكل، أما تعاملنا مع أخبار الآخرين السارة وإنجازاتهم فتمر علينا مرور الكرام لا نحرك لها ساعدًا، وتتوقف إبداعاتنا الصحفية، فالأمر لا يعنينا ولا يمت لنا بصلة فلا يتم لها إعادة إرسال ولا حتى نسخ.

تساؤلات كثيرة نطرحها هنا:
– السؤال الأول: أين نحن من الوازع الديني؟ فالدين نهانا عن تتبع عورات الناس والخوض في أعراضهم؟! فالصحة النفسية في ترك عيوب الآخرين؛ يقول إمامنا أمير المؤمنين (عليه السلام) في كلمة من روائعه الحكمية: “حسب المرء من سلامته قلة حفظه لعيوب غيره”، فهو (عليه السلام) يشير إلى سلامة الإنسان النفسية، إذ أنّ من المعلوم أنّ الصحة الجسدية تعتمد على الصحة النفسية للإنسان؛ وكثير من الأمراض التي يُصاب بها الناس ناتجة عن الاضطراب السلوكي والنفسي في شخصياتهم، والإمام (عليه السلام) عندما يقول: “حسب المرء من سلامته – أي من سلامة نفسه – قلة حفظه لعيوب غيره”، يؤكد على أنّ الإنسان قد يصبح في موقفٍ يجب عليه أن يحفظ عيوب الآخرين إلا أنّ ذلك لا يعطيه الصلاحية أن يجعل تلك العيوب مورد نظره، فالقلة هنا في قوله (عليه السلام) تشير إلى المنع عن تركيز النظر في عيوب الآخرين؛ مما يجعلها متجسدةً أمام شخصيته، بل عليه ألا يُعيرها أية أهمية لكي يسلم من تأثيراتها السلبية.

– السؤال الثاني: أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخية ميتًا؟
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ﴾. [سورة الحجرات: آية 12].

لا يسلم منهم الحي ولا الميت
شاهد يدلنا على الحال الذي وصلنا إليه عندما يتوفى أحد في ظروف ربما تكون غامضة في بعض الأحيان؛ لأسباب صحية وإجراءات روتينية أيًا كانت هذه الأسباب، وتتأخر مراسيم الدفن؛ فتنسج القصص والأقاويل وحدّث ولا حرج ويصبح حديث الساعة وكأن ما فيه شيء يتحدثون عنه إلا سيرة أهل المسكين.

– السؤال الثالث: ما الهدف من إعادة الإرسال وتتبع الأخبار
المزعجة؟ هل هي غاية في نفس يعقوب؟ أم هي مع الخيل يشفره؟
شاهد يدلنا على أننا لا نفقه كثيرًا، وهو إعادة إرسال الرسائل
التي فحواها؛ ارسل إلى عشرة أشخاص وسوف تسمع أخبارًا سارة ومفرحة والعكس، في الأول كانت مثل هذه الرسائل ورقية توزع على البيوت وكان مكتوبًا فيها: انسخ الرسالة ووزعها على مائة شخص وسوف تحصل على ما تريد، ومع التطور التكنولوجي تطورت عملية النسخ وإعادة التوزيع.

في النهاية أتمنى أن نستغل الحاسة الصحفية عندنا في إعادة نشر إنجازاتنا ونجاحاتنا وإنجازات الآخرين وإبداعاتهم لتكن حافزًا للتنافس والإبداع ونكون أكثر ثقافة في عملية إعادة الإرسال.

 


error: المحتوي محمي