آل الشيخ حسين: تحديت مناهجنا الفقيرة.. وخربشات الجدران تنتهي بـ1000 لوحة

البداية كانت “خربشات” طفلة تشاغب جدران منزلها، تبتهج هي، لأنها ترى فيها لوحات مبتكرة، أما والدتها، كما نعلم عادة أي أم تطلب منها إزالتها فكما نعلم ليس مسموحاً للأطفال أن يستعرضوا إنجازاتهم خارج حدود الورق، تستجيب الطفلة، وتبدأ في مسح أثرها، إلا أنها تبقى على شغفها داخلها ولا تفكر بإزالته مطلقًا، لتجد نفسها بعد سنوات قليلة “كاتبة قصص مصورة”، دون توجيه أو نقد، كانت مجرد أفكار وتوجهات خلقت داخلها دون تحديد للزمن أو الدافع.. تكبر ويكبر معها ما تحب، لتحصر إنتاجها بـ1000 لوحة بين المكتملة، أو التي لم تعدو أن تكون مجرد فن على ورقة بانتظار انتهائه.

«القطيف اليوم» ما بين الكلم والصورة، بين طموح الصغيرات الفنية، واحتضان هواياتهن، تفرش الأحرف في شرفة الفنانة زينب علي الشيخ حسين، المنحدرة من بلدة القديح بمحافظة القطيف، لتصغي بعمق اللحظة إلى رحلتها في عالم الصغيرات الفنية، وكذلك عالمها الفني.

س: عرفينا على بطاقتك الشخصية والفنية؟

ج: زينب علي الشيخ حسين، من مواليد بلدة القديح 1983م، حاصلة على البكالوريوس في الأدب الإنجليزي، زوجة وأم لـ3 أطفال: (حسن؛ بطلي الأول، وفاطم، وآية؛ جنتاي في الدنيا) ربة منزل، أقيم دورات فنية للصغيرات طوال العام منذ قرابة الـ6 سنوات، وهواياتي الرسم، والقراءة، والكتاب، وممارسة الرياضة، والتصوير الفوتوغرافي.

س: حدثينا عن مراحلك الدراسية؟
ج: في المرحلة الابتدائية، درست في المدرسة الثالثة بالقديح، والمرحلة المتوسطة في المدرسة الأولى بالقديح، والمرحلة الثانوية في المدرسة الأولى بالقديح، وأكلمت دراستي في كلية الآداب بمدينة الدمام، وحصلت على بكالوريوس في الأدب الإنجليزي.

س: الدخول لعالم الفن التشكيلي؛ في أي لحظة كان وما بيئته؟
ج: لا أتذكر تحديدًا وقتًا معينًا، بدأت فيه التوجه لهذا العالم، ولكن إن أردت تحديد وقت ما، فإن ذاكرتي تنقلني إلى جدران بيتنا العتيق؛ حيث كنت طفلة تستهويها الـ”خربشات” على الجدران، لا أعلم كم خططنا وملأنا الجدران بالشخبطات؟ وكم مرة كانت أمي تجبرنا أن نمحوها ونعاود الكرة؟ لا أزال أتذكر، لتبحر في ذاتي الذاكرة، أنني عندما كنت في الصف الأول الابتدائي ارتبطت خربشاتي التشكيلية بالأدبية، حينها كنت أنزع الورقة من منتصف الدفتر، وأرسم فيها أربع صور، وتحت كل صورة أخط سطور الحكاية، جمعت عددًا هائلًا من القصص المرسومةً، ولا يخفى أننا في تلك الفترة الزمنية، لم نكن نملك الوعي الفني كمجتمع، وما كان الرسامون يحظون بأهمية، لذلك لا أتذكر كون خربشاتي قد أثارت حفيظة أحد، أو حظيت بنقد جيد أو ذم.

س: ماذا يمثل لك الفن التشكيلي؟ وكيف تصفين علاقتك به؟
ج: غيبوبة الهروب، ومرحلة غرق، والصديق الذي تستند عليه وقت الفرح والحزن، وسفرك الأجمل حين لا تمتلك جواز سفر، ومغارة “علي بابا” التي تكتشف فيها نفسك وثروتك الداخلية، حين تظن أنك فقير، وبلا شيء وطنك الذي تبنيه كيف تشاء، بقوانينك أنت، باختيارك، هو كل شيء، يمكن للمرء أن يتمناه، أو يتصوره، والنعمة العظيمة التي تذكرك كل مرة تمسك فيها الفرشاة واليراع، إنك قادر، إنك مريد، وإن الله اصطفاك وأعطاك نعمة تستحق شكرًا بلا حد.

س: ما هي البيئة المفضلة لديك والتي من خلالها تبحر ريشتك الفنية هيامًا بألوانها؟
ج: العزلة أحيانًا، مع الموسيقى الهادئة، غالبًا قمة الضجيج، وهروب تام؛ لخلق فيضان داخلي على الورق دون اكتراث هيجان العالم حولي، وبشكل عام كل لحظة أشعر فيها أنه علي إنجاز شيء ما، فإن تلك اللحظة تستحق أن اختلقها وأتفرغ لها.

س: ما هي أول لوحة فنية رسمتها؟ وما مناسبتها؟
ج: لكثرة خربشاتي لا أتذكر لوحتي الأولى، ولكنها تسعفني الذاكرة ناحية البداية الفعلية، حيث بدأت فعليًا أكترث لموهبتي وأتمنى تنميتها، عندما كنت في الصف الأول متوسط، حين أحضرت إحدى زميلاتي رسمة “بورتريه” لقريبة لها، غجرية مازالت منقوشة في مخيلتي، لهذه اللحظة من البوح، رغم أني حين أتذكرها الآن أجد أنها كانت بسيطة جدًا، لكنه بالنسبة لموهبتي في تلك الأيام، كانت تعد عملًا جبارًا حين رسمتها ريشة صاحبة قريبة لي لتكون الدافع الذي جعلني أهتم بموهبتي من كثرة حبي لتفاصيلها، ولعلها كانت أول مرة أبصر لوحة “بوتريه”.. تأثرت كثيرًا وأصابني الإحباط، خاصة أن أغلب توجهاتي، حين ذاك، كانت كرتونية كوننا أصلاً لم نعرف فن “البورتريه”، أو غيره، حتى في مدارسنا، ومناهجنا التي كانت متواضعة جدًا وفقيرة، لذلك أقسمت أن أجتهد، وبدأت رحلة البحث عن ذاتي وأمنياتي.. إن أغلب محاولاتي، رسم تشبيهات أهل البيت “ع”، ولعل أولى رسماتي، كانت صورة للإمام علي “ع”، للصورة المنتشرة، لأحاكيها، وكانت متواضعة جدًا، ولكني أحببتها وتعلقت بها.

س: حتى الآن كم عدد اللوحات التي تم رسمها وما اللوحة القريبة من ذاتك؟ ولماذا؟
ج: الكثير؛ ربما فوق المائة أو أكثر، إن كنتم تقصدون لوحات مكتملة، أما إن قصدتم اللوحات الورقية؛ فهي تفوق الـ1000وأكثر.. وفي أي مرحلة من عمري؛ ربما الثانوية؛ فكنت على استعداد لأنهي كراسة في يوم، لشدة تعلقي بالرسم ومدى كونه، يمثل لي عالمًا حقيقيًا أعيشه بكل لحظاتي. إن اللوحة القريبة لذاتي، هي لوحة إنسان، أحادية، تعبر عن حالة شعورية فريدة، كنت أعيشها آنذاك.

س: ماذا عن تجربتك في إقامة الدورات؟ ولأي فئة عمرية هي؟
ج: أجمل تجربة، وأجمل قرار، ربما جاء متأخرًا، ولكني أؤمن أن في تأخير الأقدار خيرة، وهذا ما نلته في تأخير قرار إقامتها، ولم يكن هذا القرار شخصيًا بحتًا، فما كنت ولا أزال أجد في نفسي الأهلية للتعليم، كوني أحوج إليه من عطائه، ولكن روحًا رائعة شجعتني وهي العزيزة على قلبي والداعمة للجميع زكية أبو الرحي، لاتخاذ هذه الخطوة وبقيت تستحثني للمضي فيها، حتى تلذذت بها وبت أعيش تفاصيلها.. حقًا إنه ليس أجمل من نعمة العطاء، حين تجد نتاج وثمار تعبك، وتجد كيف يمكنك إخراج ما تحتويه قلوب الفتيات الصغيرات، كنت يومًا طفلة لم تجد جهة، أو يدًا تعينها لتطوير مهاراتها، حيث كانت الأدوات، والدروس والتواصل، كلها أمور شحيحة ولا تكاد تكون موجودة، لذلك ورغم رغبة الكثير من الكبيرات، أن أقدم لهن دورات، لكني مازلت مصرة على التمسك بهذه الفئة العمرية من 5 إلى 15سنة.. نعم، هم في مرحلة يحتاجون فيها أن نمسك بأيديهن، وندعمهن، ونخبرهن بأنهن يستطعن، وحقيقة أن أغلب من يسجلن تكون عزيمتهن ضعيفة لا يؤمن بقدراتهن، ويرددون: “لا أستطيع”، “رسمي ليس جميلًا”، لكنهن بالحب والتشجيع أولًا وبالعلم والتأسيس ثانيًا يكتشفن ما يختبئ داخلهن، وأجمل لحظة بالنسبة لي حين أشاركهن لحظة هذا الاكتشاف حين تنتهي الطفلة من لوحتها، وتقول معلمة ما كنت أعلم أني فنانة، أو معلمة، كيف صرت أعرف الرسم، وغيرها الكثير من العبارات، التي تشبه شهادات فخر واعتزاز لي بهن.

س: ما أبرز موقف لا يمحى من ذاكرتك في تعليمك الصغيرات الفن التشكيلي؟
ج: إن الموقف، الذي لا أنساه ليسكن الذاكرة؛ هو أن إحدى بنات الشهداء، التي سجلت في الدورة كانت ابنة الشهيد “القديحي”، الفنانة كوثر عبدالله القديحي، التي حضرت عدة دورات، بعدها بفترة، سجلت فتاة أخرى لم تكن لدي معرفة بها كونها من أهالي مدينة الدمام، وفي آخر يوم للدورة كانت الطفلة تتكلم معي كعادتها، فسألتها: هل تشعرين أن الدورة تستحق عناء قدومك من الدمام للقديح يوميًا؟ وما مدى استفادتك منها، أجابت بفرح: “نعم، جدًا استفدت واستمتعت”، وعيناي تتأمل ملامحها البريئة، قالت: “في الأساس رأيت رسومات الفنانة كوثر القديحي، وهي التي عرفتني بك”، احتواني شغف السؤال مرة أخرى، فسألتها: “هل بينكما علاقة”، أجابت: “لا، لكننا تعرفنا على أسرة القديحي، في احتفال تأبين شهداء القديح والعنود”، ذاتي في اشتعالاتها، كأن الذات في استشراف شيء ما، النبضات تخفق شغفًا أكثر، سألتها: “هل ثمة علاقة لك بأحد شهداء العنود”، أجابت، لتدخلني لحظة غياب الواقع، لأبحر في الماضي، الذي نسجنا ألمًا، ليسكننا: “أنا ابنة الشهيد عبدالهادي الهاشم -رحمه الله-“، لحظتها، وبين التحديق مليًا في ملامحها، تجلت صورة الشهيد، والدها في وجهها، آه، كم تشبهه، كم تحمل منه، رغم ذلك لم أتمكن من معرفة ذلك حتى أخبرتني به هي، حمدت الله حمدًا كثيرًا أن اختارني، لمنح هذه الطفلة ولو بعض القليل، لتكون في عالمها الداخلي أقوى وأصلب، خاصة أن الفترة التي سجلت فيها لم تكن بعيدة عن حادثة العنود وسقوط الشهداء.

س: لكل إنسان قدوة.. بدنياك من يمثل القدوة؟
ج: إنسانيًا، الإمام علي “ع”، أعظم قائد عرفه التاريخ، والسيدة زينب “ع”، في مواجهة الظلم والثبات على الحق، وعلى الصعيد الشخصي أبي في قوته وعصاميته، وأمي في طيبتها وتسامحها.

س: هل أقمتِ معرضًا فنيًا خاصًا؟
ج: لا، مازلت أخطو خطوات فقيرة جدًا في عالم الفن لا تؤهلني، لإقامة معرض، ربما عند نضج فني ضخم أقيمه.

س: كونك من الفنانات؛ ما هي الصعوبات التي تواجهكن؟
ج: الصعوبة الكبرى، هي أن تثبت نفسك وفنك في عالم، يضج بالفنون والجمال، البعض ينظر للفن على أنه مضيعة للوقت ويقللون من شأن الفنان.. إن القوة الحقيقية هي في عدم الاكتراث لهم والمضي قدمًا.

س: موقف سعيد وآخر حزين -أبعدنا الله وإياكم عن الحزن- لا يزال في ذاتك لا يخالجه النسيان؟
ج: الحزن في نفسي مرتبط دائمًا، أو غالبًا بالفقد، أعظم أحزاني مرتبطة بفقد عزيز، أول حزن عظيم شعرته وعشته حقيقة، كان رحيل صديقتي بعد زواجها بـ3 أشهر مفجعًا ومباغتًا، ولا يزال كذلك، ومرة أخرى كان للفقد نكهة موجعة وقاصمة برحيل عمي الشاب الخلوق، فقدان أخذا مني الكثير، بدأت بالحزن وسأختم بالفرح، لأني كلي تفاؤل بالفرح مهما نال منا الحزن، وأوجعنا؛ إن الموقف المفرح، هو مشاركتي بقصة في منتدى القديح الثقافي، ونيل جائزة التميز.

س: ما هي أبرز المشاركات محليًا وخارج غيمات الوطن؟
ج: بدأت عرض لوحاتي فعليًا في منتدى قديحيات الثقافي، ومن ثم في قنوات التواصل الاجتماعي، في حين أن أغلب مشاركاتي كانت في معارض داخل بلدة القديح، ولا يوجد مشاركات خارجية.

س: حدثينا عن عالم القراءة والكتابة في حياتك الثقافية وكيف تتعاملين معها؟
ج: القراءة جنون أدمنته، وحياة استنقذتني مني في اللحظات التي يمر بها كل مراهق، لحظات لخبطة المشاعر وتضارب الأفكار والتخلي عن المبادئ والقناعات وتهشم المعتقدات، في لحظات ضعف شديد مني، تشبثت بحبل القراءة: ﴿اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ﴾، إذا قرأت، سيكون الله كريمًا معك، سيعلمك ما لم تعلم، سيدلك ويهديك، سيأخذ بيدك وينتشلك؛ هكذا كانت بدايتي، مع القراءة بكتب القراءة الحسينية -العزية-، الخاصة بأمي، لم تكن لنا مكتبة خاصة، كنت أفتش في كتبها، ثم بدأت أفتش عن المزيد باقتناء المجلات والقصص، بدأ أبي يزودنا بقصص الأنبياء “ع”، ثم بدأنا أنا وأخواتي نقتني مجلات ماجد، وباسم، والمكتبة الخضراء، ثم اقتنيت ذوقي الثقافي الخاص؛ روايات أغاثا كريستي، وكمال السيد، وخولة القزويني، وتغير مفهومي للقراءة وتطور حتى أصبحت أصرف مكافأة الكلية شهريًا في شراء الكتب، وكان للقراءة الفضل الأكبر في تطوير موهبة الكتابة لدي.

س: هل تمارسين الكتابة بمختلف ألوانها ومشاربها؟
ج: في مرحلة ما سابقة، كنت أكتب بلا توقف، حتى في أفكاري أمارس فعل الكتابة، أحفظ النص وأصححه في رأسي، أقلبه وأمحوه، أعدله، وأراجعه، ثم أدونه.. الآن تأتي النصوص في رأسي، أناقشها، وأخطط؛ كيف سأكتبها وأنشرها، ولكنها لا تخرج إلا نادرًا على الورق، ربما لانشغالي بصغاري أولًا، والمرجح أكثر، رغبتي بالتفرغ التام لكتابة نص مختلف تمامًا، يستحق أن يدون، وأن يقرأ.. ولدي كتابات مقالية قليلة جدًا حسب طلبات من آخرين، وكتبت بعض المشاهد المسرحية البسيطة، لبعض الجماعات الدينية، وخواطر وجدانية، وتنسيق البرنامج، لبعض الاحتفالات، وقصصًا قصيرة.. ونشرت أغلب كتاباتي في منتدى قديحيات الثقافي، وبعضها على “الفيس بوك”، حيث لم أجد فرصة، لنشرها في مكان آخر، أو بالأحرى لم أعتني لهذا الأمر، أو أهتم به.. كان لدي حلم عمل كتاب ورقي، ولكن مازالت الفكرة موضع دراسة، ربما تتحقق قريبًا، أو لا.

س: زودينا بمقتطفات من كتاباتك؟
ج: شاركت في الفيديو كليب، المعني بحادثة العرس الدامي في القديح، من كلماتي وإنشاد الأخ مهند الجنبي، بعنوان “براءة على مفترق جراح”.

https://www.youtube.com/watch?feature=youtu.be&v=_X_iPY974D0&app=desktop
مقتطفات كتابية:
“لماذا لم يراودني شعور الحنين وأنا أقرأ ذاكرتي القديمة؟ لماذا لم أبكِ وأنا أمزقها بلا مبالاة وأدسها قطعة قطعة في سلة المهملات؟”.

“ورغم إزعاج هذه الكائنات الصغيرة على شباك غرفتي، تقلق نومي وتسلبني راحتي، إلا أن وجودها في حد ذاته سعادة”.

“وحدها الصباحات الكئيبة، تدرك تمامًا ماذا تشبه رائحة المقابر، وأجزم أن المقابر تدرك تمامًا ماذا تشبه صباحاتنا”.

“عندما تتمثل ليلى في ذاكرة قيس؛ فإنها لا تأتيه رجلًا، يضع آخر أنوثتها، تاء تأنيث تلجمها بمشنقة الصمت، بل يأبى قيس إلا أن يكون في حضرتها طفل، تلزم كل لغات الحب، التي يتقنها الصمت من فرط غوايتها، فلا يكون لأي سؤال جواب”.

“اللون الأزرق يسربل صورة الأيام في عيني منذ رحيلكِ، وكثير من الأشياء، فقدت تسمياتها في ذاكرتي، لا أعلم هل أصبح للفصول ذات الفاعلية التي كانت لها مسبقًا؟ وهل بقيت اللحظات محتفظة بخصوصيتها وتباينها وتناقضها؟ أم أن كل الأشياء تشابهت وأصبحت غارقة في وعاء مغلق؟ أتمنى أن أبصر طريقًا مختلفًا لا يقودني إليكِ.. أتمنى أن يمر يوم دون أن أبكي عليكِ
أو أستنزف طاقتي في محاولة تشتيت أفكاري عن المكوث فوق قبرك”.

س: حدثينا عن حياتك العلمية واختيار تخصص الإنجليزية تحديدًا؛ لما يرجع السبب؟
ج: منذ صغري وأنا متعلقة بالعلم، أحبه لدرجة كرهي الشديد لأيام الإجازات، كانت الإجازة حلم الطلا بالنسبة لدنياي، تمثل كابوسًا كريهًا، حين بلغت مرحلة الاختيار بين العلمي والأدبي، اخترت العلمي، ولكنه بعد يومين من بداية الدراسة تغير في داخلي شيء، شيء ما أخبرني أن حياتي في الشق الآخر من ضفة العلم، حينها نقلت للقسم الأدبي رغم معارضة أغلب معلماتي ومن حولي، فلا يخفى نظرة البعض الدونية للقسم الأدبي، ورغم أني متفوقة في القسم العلمي، إلا أنني اخترت القسم الأدبي، ثم جاء اختياري للأدب الإنجليزي، مع سبق الإصرار، بكون ميولي تصب في جانب الأدب أساسًا، حتى الفن التشكيلي أجده أدبيًا، خليطًا من الشعر والقصة والمسرح، امتزاج كوميدي وتراجيدي، تاريخ وحضارة، لذلك ربما روحي كانت تلقنني وتقودني نحو ما يستهويها وما تجد فيه راحتها واستكانتها، لا ما ينتظره الآخرون أن أكون، كانت دراسة الأدب الإنجليزي في كلية الآداب بالدمام لمن درسوه فيها مثلي حلمًا صعب المنال، واجتيازه أشبه بعبور صراط، لكن اللذة الحقيقية في صعوبته تلك، في عدم الاستسلام، في تحدي النفس، والإصرار، نعم، بكينا مرات، وأوشكنا على السقوط مرات ومرات، ثم بدأ كل شيء، يصبح شهيًا وسهلاً، اجتياز أول عامين، هما نجاحك الحقيقي، لأنها مرحلة تأسيس اللغة، وبعدها الأمور -بحمد الله وتوفيقه-، اجتزناها.

س: يقال إن اللغة الإنجليزية لغة العصر؛ ما تعليقك؟
ج: إن العربية لغة كل العصور، من يتقنها سيتقن كل شيء.. أعتقد أن كل لغة تمنح صاحبها عمقًا خاصًا وهوية مختلفة، لذلك أعتز بلغتي ولا يقلل ذلك من شأن أي لغة أرى، إن الله سبحانه وتعالى من علم الإنسان الكلام بأي لغة كانت، وما كان من الله سبحانه وتعالى هو جميل، ولكن لو أردنا الحياد، فربما أصبحت اللغة الإنجليزية حقًا لغة عالمية، ومتداولة في أغلب قطاع الأرض، والاعتراف بذلك لا ينفي ما عداه.

س: هل أثرت اللغة الإنجليزية من خلال قراءة الكتب في قلمك وبوصلتك الثقافية؟ وهل تمارسين الكتابة بهذه اللغة؟
ج: في مرحلة ما، نعم وكثيرًا فقد مالت كتاباتي ونصوصي لتتخذ نهجًا مختلفًا، وقد لاحظ أغلب من قرأ لي ذلك، إما بمسميات الشخوص، أو الأفكار في النص، أو بأحداث القصة، ولكنه ليس تأثيرًا على المبدأ والمعتقد، ولا أتذكر أنني كتبت الكثير بهذه اللغة، فالكتابة باللغة العربية لذة شغلتني عن ما سواها.

س: في بضع كلمات؛ ماذا تعني لك هذه المفردات: “الأم – الألوان – الكتاب – العصف الذهني – الفكرة – النخيل – الصمت – التيه – الوحدة – الغربة؟
ج: الأم: جنة الله في أرضه، والألوان: القدرة على تغيير الألم إلى أمل، والكتاب: شخص ما وثق بي وسمح لي أن اقترب منه وأقرأه، والعصف الذهني: لحظات تصنع مستقبلًا، والفكرة: مشروعك إن لم تقم به أنت وتربحه، قام به غيرك وخسرته أنت، والنخيل: ترتبط فكرة النخيل بمخيلتي دائمًا بنهر العلقمي وشط الفرات، وصورة البطل، الذي خاض الشريعة، يستسقي الماء، لنسوة ثاكلات وأطفال عطشى، ذهب البطل للنهر، ولم يعد، وأما الصمت: فالصامتون حكماء، يملكون الكثير، يثرثرون أقل، والتيه: فرصتك لتتخذ قرار نفسك، إما نجاة أو غرق، والوحدة: مادمت تنبض في قلبي يا لله، فلست وحيدًا، والغربة: أن تكون مختلفًا عن البقية.

س: كلمة أخيرة لك ما هي؟ ولمن توجهينها؟
ج: للذين يتألمون لا شيء يجعلنا عظماء غير ألم عظيم، المتألمون، هم من يصنعون العالم، ويغيرونه للأجمل، أنتم العظماء، من جرب الألم يعرف حجم قوته في مواجهة هذا الألم، ومن عاش الغربة يعلم وحده كيف يجتازها، ومن ذاق الحزن يعلم كيف يسعد الغير.. يقال: “فاقد الشيء لا يعطيه”، وأقول: من فقد الشيء هو حقًا من يعلم أن ثمة تسعمائة وتسعًا وتسعين طريقة للحصول على هذا الشيء، من يتألم هو من يعرف أن ثمة تسعمائة وتسعًا وتسعين طريقة لمقاومة هذا الألم والمرض، من فشل هو الذي يعرف أن تسعمائة وتسعًا وتسعين طريقة لا تؤدي لهذا النجاح، بعكس الذي لم يجرب الفقد، والوجع، والنقص، والمرض، لذلك أنت الأقوى.. ولكل من يظن أنه لا يملك شيئًا، أقول بكل أمل بين شفتي الصباح، الدافئة الضوء، وخيوط المساء الهادئة الظل، أنت الأقوى، آمن بنفسك، وستدرك ما تؤمن به.

 

رسومات ابنة الشهيد عبدالهادي الهاشم


error: المحتوي محمي