التغيير في زمن التكنولوجيا

إن أقوى عوامل التغيير والتأثير على حياة الناس والمجتمعات اليوم لم يعد يتمثل في الرياضة أو الاقتصاد أو السياسة وغيرها، وإنما صار في عالم التكنولوجيا.

يعيش الكثير من الناس في المجتمع تمزقًا نفسيًا على مختلف الأصعدة، وذلك نتيجة للصراع القائم بين ما هو حداثي وما هو تقليدي في ظل انفجار الثورة المعلوماتية التي أدت إلى إصابة الكثير من الناس في هذا العصر بتغيرات نفسية وسلوكية، وهي على ما يبدو في طريقها إلى تحول كبير بين عصور ما قبل الإنترنت وما بعده.

إن الناس الذين ولدوا في زمن التكنولوجيا وحملوا الموبايل وأنزلوا التطبيقات وتصفحوا المواقع العالمية النافعة والضارة وأدمنوا عليها هم ليسوا مثل الذين ولدوا قبل عقود، أي قبل الثورة الرقمية، الذين كانوا يستمعون إلى الراديو ثم انتقلوا إلى مشاهدة التليفزيون، وكذلك الذين كانو قبلهم افترشوا الحصير وكانوا يقرؤون الكتب والجرائد والمجلات، فهناك مسافات هائلة بين كل عصر ليس في التواصل الاجتماعي فقط بل حتى في الإدراك والتركيز والسلوك والاستيعاب، وفِي النظرة إلى العالم والتعامل مع الحياة.

تخيل لو أن شخصًا من الزمن الغابر سيزور عالمنا اليوم ويرى العالم الإلكتروني، فلا شك أنه سيصاب بالذهول ويظن أن البشر فقدوا عقولهم، فهو يراهم يغمزون ويبتسمون لصورتهم الذاتية «السيلفي» في هواتفهم، ويتكلمون مع الآخرين وكأنهم يكلمون أنفسهم، ويضعون السماعات في آذانهم ثم يسيرون في الشوارع منكسي الرؤوس وعيونهم معلقة بهواتفهم فيصدم بعضهم بعضًا.

الغرب الاستعماري بحداثته وتكنولوجيته أرسى أسس المؤسسات، وبنى المدن وسير الإدارات، وفتح المدارس والجامعات، وغيّر مناهج التفكير والتعبير والمعاملة، وعمل على رعاية الحريات، واحترام الخصوصيات، وحماية حقوق الإنسان، والعدالة والمساواة، وخلق البيئة المناسبة للإبداع والتقدم العلمي والفكري وتكريس الأخلاق الاجتماعية، وأعطى إمكانية خلق حياة ووعي متجددين في فكر الإنسان الغربي، وظل الإنسان الشرقي على أساليبه التقليدية من دون تغيير ولا تطوير، والذي مهد الطريق للغرب المتسلح بالحداثة بغزونا فكريًا وثقافيًا.

خلاصة الكلام هي: أن الثورة التكنولوجية التي جاءت من الغرب قد غيرت الكثير من السلوك في الإنسان الشرقي، وأن تاريخ الأمة الْيَوْمَ يتهاوى في ظل غزو ثقافي وفكري كبير من خلال الوسائط الحديثة التي يتحكم فيها الآخر.


error: المحتوي محمي