
يا مجلس الخير..
ذكراك تبعثُ في الآمالِ ماضينا
يا مجلس الخير يا أحلى أمانينا
يا قِبلةَ الصحب يا مأوىً لحارتنا
في صدرك الرحب ما أبها تلاقينا
كم أمّك الناس في حفلٍ وفي سمرٍ
وأنت تنثرُ وردَ الحب تلهينا
قضّى الشبابُ ربيعَ العمرِ ليس لهم
إلاك مربعَ هديٍ.. و الندى فينا
فالعلم والنور ذا يتلو دراسته
وذا يرشدُ.. للأجيالِ تبييا
قد كنت مدرسةً تندى مغارسها
وكنت صرحَ تقى تهدي مساعينا
وكنت تجمعنا دومًا وتسمعنا
سحر الحكاياتِ والأحداث تروينا
فمنبرٌ أنت كلّ الناس ترشدهم
وتغرس العشق في الأجيال تضمينا
فالمكرمات إذا ما جئتُ أذكرها
منْ نبعك الثّرّ يا يا مصباحَ وادينا
مهد الطفولة بل مهد الشباب ألا
يا مهد كلّ زمانٍ عشته فينا
فكيف يا مربع الأحبابِ تتركنا
وليس إلاك نأْويه ويأْوينا
أترحلُ اليوم من "للسيف" يجمعه!!
إذا ترحّلت هل يبقى لاقينا؟!
ومنْ يعيد لنا شهر الصيامِ ندى
بالآي والذكر.. أنغامًا وتلحينا!!
وقارئ الدرسِ"عبد الله" يطربنا
روائع الذكر وقرآنًا. فيروينا
وقارئ المنبر "القطّان" يتحفنا
يرثى النبيَّ وأهلي الميامبنا
فكيف تهج نا والهجرُ مؤلمةٌ
آلامه والفراقُ الصعبُ يشجينا
للمكان رائحة الكائن.. وعبق التاريخ..
ومازال صدى امرئ القيس يتنفس الذاكرة حين قال:
قفا نبكِ
منْ ذكرى حبيب ومنزل..
بسقط الللوى بين الدخول فحوملِ
هذا المنزل المحبب من منازل الربع الذي بنى ذاكرته في القلب، حتى تواشج بالنبض فأصبحت له تعالقات بنبرة الشجن..
فالمكان قلب الذاكرة.. والذاكرة قلب المكان..
وقد يتجلى المكان على هيأة فروسية حيث يكون الشاعر المغامر يبني مكانته على ظهر سابحه..
وهذا ما عناه المتنبي في قوله:
أعزّ مكانٍ في الدنا سرجُ سابحٍ
وخير جليسٍ في الزمانِ كتابُ
أما المنازل الدافئة بالحب، المملوءة بالجمال، فإنها لا تزول من الذاكرة، وتبقى على طرف الشفاه، خالدة امتداد التفكير وترا دف الأيام
وما أعذب ما رامه المتنبي بقوله:
لكِ يا منازلُ في القلوب منازلُ
)أقفرتِ أنتِِ وهُنّ منكِ نواهلُ
ويبقى للمرابع الأولى في حياة الفرد وقعّ خاص، لأن فيها انطباعات وصور المشاهد لها السبق في تشكيل الشخصية في طولتها ومدامبكها
لهذا السبب. وقّع أبو تمام رؤيته هذه من خلال بيته الشهير:
نقّل فؤادك حيث شئت منَ الهوى
ما الحبّ إلّا للحبيب الأولِ
كم منزلٍ في الأرضِ يألفُهُ الفتى
وحنينه أبدًا لأول منزلِ
ومن هذا المفهوم.. اتخذت هده الورقة التي تؤرخ للمكان حين تحول إلى مكانةً إنسانية وروحية، واجتماعية
إنه مجلس الخير.
يقع في حي باب السيف و الحي شمال شرق قرية التوبي من قرى القطيف.
وهو ديوانية جدو عيسى.. الحاج المرحوم أبي جعفر عيسى بن جعفر الشيخ علي
وكان الجد يجوب بهذا المجلس لأكثر من ستين سنة
عاقدا مجلس القراءة الحسينية الأسبوعية (العادة)
فما وعينا لهذه الحياة إلا وهذه العادة قائمة مستوية على سوقها..
والذي تحول من مجرد ديوانية للقراءة واللقاء بين الجيران وأهل القرية. إلى ما يشبه الصالون الاجتماعي والمأوى الروحي، المشفى النفسي، والمحطة التموينية للثقافة ورفد الحراك وخلق الجمال،
ومن هذا المكان الصغير بحجمه إلا أنه كان منطلقًا للكثير من المشروعات الواعية في زمنها
فمن هنا انطلقت فكرة تشكيل فرقة الولاءالإسلامية بالتوبي 1415 تقريبا
ومن هنا.. تشكلت لجنة التدريس الديني دورة الإمام المنتظر بالقرية..
وغيرهما من المشروعات الدينية والثقافية الرائدة
ولا أنسى فيه أبرز الشخصيات التي مرّت من هنا..
- المرحوم الملا والخطيب علي القطان من أعلام الخويلدية الشقيقة
هذا الخطيب بصير، ولكنه يمتلك حافظة شاسعة، له أسلوبه في النعي الحسيني رغم هدوئه، في أغلب المجالس لا يكرر قصائد.. وأطواره مبتكرة في الغالب
كان يقوده ابنه عبد القادر مشيا من الخويلدية إلى التوبي
.
-المرحوم قارئ القرآن الحاج أبو إبراهيم عبد الله الموسى المتوفى في 9/4/1438هج
وهذا من نوادر الرجال في قريتي.. كان قارئ القرآن طيلة ليالي شهر رمضان المبارك لسنين مديدة من العمر.. وكان يمتلك روح الحكواتي أثناء سرده لقصص الأنبياء المعصومين، وأحداث التاريخ الغابر،
وقد جمع حافظته ووعيه من خلال حضوره للمجالس الحسينية، حيث كان مغرما الخطيب الكبير الشيخ عبد الحميد المرهون، فكان يتابع مجالسه صباحا وعصرا وليلًا.
وقد تعمدت ذكرهما في نص القصيدة التي أبنت فيها هذا المجلس الراحل..الذي أزيل إثر انتقال" جدو"
من حي باب السّيف.. إلى حي "أم عگلين"
فرثيته بحروف لاهبة.. وأنفاسك نادبة.. كما سادت الكآبة وحالة الحزن على أفراد الحي كلهم الكبار والصغار الرجال والنساء.. فكم كان هذا المجلس قبلة للجميع، حيث يفتح بابه على مدار اليوم. كان الانتقال في عام 1416تقريبا
ذكريات هذا المكان.. كثر لعلي أفرد له فضاء أوسع..
أتحدث فيه عن أبرز المناسبات السنوية أو الدورية
وأبرز الشخصيات العلمائية التي كانت ترتاده..
عبق ينثر أكاليل الضوء على كل الأحبه بالجمال