«القطيف اليوم» تفتح الملف.. وأطباء: لا تعلقوا محمد بـ فاطمة فينجبا مصابًا بالمنجلية

التاسع عشر من يونيو هو اليوم العالمي لمرض فقر الدم المنجلي، الذي أنهك آلاف المصابين في المنطقة، غالبيتهم ولدوا قبل إقرار إلزام الفحص قبل الزواج وبالتحديد في عام 2003م، أي قبل 16 عاماً، إلا أن هنالك قلة موجودة بعده، كما أنهك ميزانية الدولة التي حاربت أمراض الدم الوراثية بإقرار فحص ما قبل الزواج كأحد شروط إتمام العقد.

فهل هذا الفحص هو الحل الناجع فعلاً للقضاء على المرض من الخارطة الجينية لأبناء المنطقة؟

«القطيف اليوم» ناقشت هذا الملف الشائك طبيًا، واجتماعيًا مع عدد من المختصين؟

عبدالحميد الحاجي مختص في الهندسة الطبية الحيوية ومؤسس مركز جينوم للفحوصات الوراثية، أشار إلى أن فحص ما قبل الزواج يعتبر حلًا وقائيًا جيدًا وفعالًا والجدوى الطبية منه واضحة وناجزة ويعتبر بشكل عام حلًا مثاليًا للمشكلة، لكنه يعاني من خلل بنيوي خطير يتعلق بالجانب الاجتماعي والنفسي منه أكثر من الجانب الطبي والمخبري.

صعوبات اجتماعية
وأوضح الحاجي أن الفحص يفقد فاعليته بشكل كبير بسبب الانتشار الواسع للمرض بين أغلب العوائل في محافظتي الأحساء والقطيف، عدا عن بعض الصعوبات الاجتماعية والمناطقية التي تحكم الزواج بين غير الأقارب، قائلاً: “نحن كمركز متخصص نرى أن الخلل البنيوي الخطير الذي يعاني منه الفحص الحكومي يتعلق تحديدًا بالجانب النفسي والاجتماعي الذي يفرضه التوقيت الخاطئ لإلزامية إجراء الفحص، ففي الغالب يتقدم الشاب الراغب في الزواج لواحدة من قريباته عن طريق وساطة تقوم بها الأخوات أو الأم لضمان الحصول على الموافقة المبدئية، ثم يتسع الأمر ليشمل الرجال في العائلة، وبعد انتشار الخبر وإعطاء الموافقة المبدئية والبدء فعلياً بإجراءات الخطوبة يُطلب من الطرفين الذهاب لمراكز الفحص الوراثي لإجراء الفحص والحصول على ورقة التوافق اللازمة قانونياً لإمضاء عقد النكاح، وهنا بالتحديد تبدأ المشكلة وتظهر التعقيدات الاجتماعية والنفسية التي أشرت إليها.

فعندما يكتشف الطرفان أنهما غير متوافقين وراثياً! سيجد الشاب والفتاة أنهما متورطان بارتباط عائلي واجتماعي قد تم فعلًا ويصعب بشكل كبير جدًا التراجع عنه في هذا التوقيت، ويقع عبء اتخاذ القرار الصعب على كاهل الشاب المرتبك نفسيًا وعاطفيًا جراء هذه النتيجة الصادمة، والتراجع عن قرار الارتباط في العرف الاجتماعي القاسي والمعقد سيكون عملًا جبانًا وانسحابًا مُخزيًا أشبه بالهروب والهزيمة، كما سيكون انعدامًا للشهامة والمروءة التي فرضها الارتباط المُسبق بين العائلتين.

حل حقيقي
وأكد الحاجي أن الحل المفترض لا يتعلق كثيرًا بمستوى الوعي الطبي بقدر ما يتعلق بإيجاد حل حقيقي لمشكلة التوقيت الذي يتسبب بظهور تعقيدات اجتماعية ونفسية صعبة ساهمت بشكل واضح بإضعاف أثر البرنامج وفقدانه لفاعليته الطبية، وقال: “بشكل عام يعتبر الخروج عن دائرة الأقارب حلًا وقائيًا جيدًا ويشكل ضمانة عالية لعدم الإصابة بالأمراض الوراثية المتنحية على وجه التحديد لأنها تحتاج نسختين من الجين المعطوب لحدوث الإصابة أو المرض٬ وزواج الأقارب يمثل بيئة خصبة ومثالية لظهور الأمراض الوراثية المتنحية لتشابه التركيب الجيني بين الأقارب”.

أمراض الدم
وأضاف: “لكن في حالة الحديث عن أمراض الدم تحديدًا فإن هذا الحل يفقد فاعليته بشكل كبير جدًا بسبب الانتشار الواسع للمرض بين أغلب العوائل في محافظتي الأحساء والقطيف، عدا عن بعض الصعوبات الاجتماعية والمناطقية التي تحكم عملية الزواج بين غير الأقارب”.

قبل الترتيبات
ويطالب محمد الحاجي باحث الدكتوراه في العلوم السلوكية والاجتماعية بكلية الصحة العامة في جامعة Temple بالولايات المتحدة الأمريكية بإقرار الفحص منذ سن مبكرة وبالتحديد في المرحلة الثانوية، أي قبل ترتيبات الأهل، وقبل “الحجز” وهو أمر مطبق في المجتمعات الخارجية ولدى اليهود تحديدًا؛ لذا فإننا سنعرف إن كان محمد سيناسب فاطمة، أم سيناسب أختها زينب قبل ربطهما عاطفيًا.

خارطة الجينوم
وأكد على أهمية أن تصب جهود التوعية حول معرفة حمل التكسر من عدمه، ليعرف كل طرف خريطة الزواج ويبتعد عمن لا يتوافق معه، خاصة أن المتعارف عليه في المنطقة تسمية فلان لفلانة وإتمام خطبة غير رسمية حتي بلوغ سن الزواج، وهنا يحدث التعلق بين الطرفين وعائلتيهما.

ولفت إلى أن الدعوة لمنع زواج الأقارب هي حل غير منطقي، لمعارضته الشرائع الدينية والمجتمعية، وحلول الصحة العامة ينبغي أن تكون قابلة للتحقيق وليست ضربًا من الخيال، مثل ذلك مثل إقرار البصمة الجينية مع أنه حل ممكن إلا أنه موضوع معقد ومكلّف ويحتاج لمشروع وطني بميزانيات ضخمة، بجانب التعقيدات الأخلاقية والتقنية والطبية والبنى التحتية اللازمة لإتمامه.

اختيار الأجنّة
وهو ما أتفق عليه الدكتور محمد إبراهيم آل درويش استشاري أمراض الدم والأورام بمستشفى القطيف المركزي، الذي أكد أن الحل هو بفحص الأجنة واختيار الأجنة السليمة، وهو حل طبي؛ لأنه ليس بأيدينا إقرار أو تحديد سن قانوني يمنع زواج الأقارب، وقال: “الحل بإنشاء مركز لاختيار الأجنّة يتاح لمصابي فقر الدم المنجلي للتأكد من خلو ذراريهم من أي جينات حاملة للمرض”.

وذكر آل درويش أن زراعة الخلايا الجذعية هي الحل الجذري للتخلص من المرض نهائيًا، لكن ليس كل مريض يمكن إجراؤها له، إنما تعتمد على تقييم المريض وشدة المرض وتوفر مطابق له.


error: المحتوي محمي