اللاتهذيب وأثرهُ على الإنتاج

لا أُبالغ إذا قلت أنَّ هناك قناعةً لدى العديد بأنَّ القائد الفذ ينبغي أن يكون مُهاب الجانب بالقدر الذي يجعل المحيطين به أكثر حذراً وعناية في التعامل معه، هذه المهابة تبرر برأيهم الفظاظة التي يتسم بها والتي تتجاوز لتصل إلى سلوكيات تصنف أخلاقياً بالاتهذيب، الصراخ الذي يتجاوز إلى الإعابة بل والشتم أحيانا، هي مستويات متقدمة من تلك المهابة المدعاة، فيما الإيذاء النفسي الذي يعني الاستفزاز والازعاج هي درجات مختلفة تؤدي جميعها لعواقب وخيمة، أقلها سوء بيئة العمل وسَوق الموظفين إلى قناعة أن تركه غاية لا بد من السعي لتحقيقها ولو بعد حين.

تعتبر بيئة العمل المريحة سبب مهم من أسباب ارتفاع الإنتاج، وترى نسبة تصل إلى 75 في المائة من موظفي الولايات المتحدة أنَّ المدير السيء هو أهم سبب من أسباب تدني ذلك حسب تقرير أجرته جمعية علم النفس الأمريكية “أمريكان سيكولوجيكال أسوسيشن” والتي أشارت إلى أنَّ المديرين السيئين هم السبب الأبرز في توتر بيئة العمل، كما أشارت دراسة أخرى أجرتها كل من جامعة هارفرد وستانفورد إلى أنَّ التوتر النفسي والإحباط الدائم الذي يسهم به المدير يعادل من ناحية الخطورة الصحية جلوس الإنسان في مكان مليء بدخان السجائر، وترى دراسة أخرى أنَّ عبارات أو تصرفات مهينة تعرض لها الموظفون كمثل “هذا عمل أطفال، تمزيق الأوراق أمام الموظف” أدت لانخفاض حاد في الإنتاج وصل إلى 66 في المائة منه.

إنَّ كيمياء العقل الإنساني تتأثر بشكل كبير بالحب الذي يهبه له الآخرون، هذا الحب هو في الغالب أحد أهم دوافع الإخلاص والتفاني في الحياة عموماً وفي العمل بشكل خاص، العقل “النرجسي” والمستبد في الغالب لا يستطيع إدراك ذلك، هذا يعني أنَّ شعوراً من الغبطة ينتابه باستمرار حينما يتعامل مع موظفيه بدرجات من الاتهذيب تصل به في بعض الأحيان إلى الوقاحة، ويتجاوز الأمر إلى اعتبار هكذا شخص أنَّ الطيبين الذين يُعَرِّفُهم بحسن الخلق والمعاملة الحسنة هم بدرجة من السذاجة بحيث لا يدركون النموذج الإداري الأفضل للمدير، هذا العقل الإداري الذي يحمل هذه القناعة ينبغي أن يتأكد أنَّه العنصر الأكثر ضرراً على المنظمة، وما لم يعي ذلك ويجتهد في تصحيح سلوكياته فسيبقى دائماً السبب الأبرز في ضعف الإنتاج وسوء بيئة العمل.

سراج أبو السعود
صحيفة الرأي السعودي


error: المحتوي محمي