
هرباً من شبح الأمراض، قام الباحثون بدراسة عادات وتقاليد وموروثات شعبية معروفة لدى الإنسان منذ فجر التاريخ تقريباً، تتغنى بالطبيعة وما يستخرج منها من غذاء بمثابة “إكسير الحياة” عندهم.
لا يخفى على أحد أن كل شعب قد عرف بفطرته تارة، وبخبرته تارة أخرى عدداً من الأغذية الطبيعية التي تميزت بقدرتها العلاجية على تقوية الجسم وحفظ الشباب ومداواة الأمراض.
يقدم عالم العلاجات الطبيعية الدكتور جون هينرمان “Dr. John Heinerman” في كتابه الذي صدر بعنوان “أدوية الطبيعة السبعة الممتازةNature’s – Super7 Medicines”، نصائح من بحثه تمثل حصيلة دراسات وأبحاث ومفاهيم عن الطب البديل، إلى آفاق ونظم غذائية معينة من شأنها أن تسهم في علاج بعض الأمراض، قدمها على هيئة ممارسات وعادات فعالة، كما كان الأباطرة الصينيون والفراعنة يمارسوها من القدم، والتي كانت معروفة لدى المعالجون الشعبيون لتخفيف كل شيء من الحساسية إلى عدوى الخميرة، كشفوا من خلالها أسرار الشفاء، التي أثبتت جدواها وقدراتها الهائلة في تنشيط الجهاز المناعي، وهي آمنة وغير مكلفة ويمكن العثور عليها بسهولة.
رصد المؤلف في سبعة فصول طبيعة الأطعمة التي عرفها الإنسان مند القدم، وكشف قيمتها وأهميتها واستعمالاتها الطبية.
نجد في هذه القائمة العلاج الذي نبحث عنه، كانت حصيلة إسهامات آلاف العلماء والأطباء، باعتبارها من الأغذية الغنية بالفيتامينات، والمعادن، والعناصر الغذائية التي تعمل على تقوية الجهاز المناعي للحفاظ على قوة الجسم وحمايته، وتساعد على رفع قدرات عمل كل أعضائه، وهي:
• العسل ومنتجات النحل.
• الفلفل الأحمر الحار.
• الثوم والبصل.
• الجنسنج.
• الكركم.
• الحنطة الخضراء.
• مضادات الأكسدة.
يقول المؤلف إن سبب اختياره لهذه المقومات السبعة هو أنها معروفة لدى الإنسان مند فجر التاريخ تقريباً بخصائصها العلاجية، وليسد جوعه بها، ولأنها من أفضل الأطعمة الموجودة التي يمكن أن تجعلنا نشعر بالعافية ونبدو أصغر سناً مما نحن وتطيل أعمارنا بإرادة الله سبحانه وتعالى.
الكتاب في جملته مفيد وقيم وقد صدر من خبير ومؤهل، والهدف من ذكر تلك الأغذية هو تقليل الحاجة للمعالجات الدوائية، ومقدرتها الفائقة على إيقاف بعض الأمراض المستعصية، وعليه كان اختيارنا لها من أجل الفائدة الصحية تحت شعار “لصحة أفضل”.
ولتصويب ذلك الشعار، نسلط ضوءاً سريعاً على تلك القائمة الغذائية التي فصلت في هذا الكتاب، لكن، ماذا عن هذه الأغذية وتأثير كل منها وما مدى ارتباطها بالصحة، نجيب عليها.
• العسل ومنتجات النحل: تشتمل هبات النحل على العسل، والغذاء الملكي، وشمع العسل، والعكبر، ولقاح النحل، لكل واحدة من تلك الهبات قيمتها الغذائية وفوائدها الطبية، فالعسل يحتوي على السكريات والأنزيمات والفيتامينات والمعادن والأحماض الأمينية ومضادات الميكروبات، تمد الجسم بالطاقة والنشاط، وتحصنه بالقوة لمواجهة أمراضه، إذاً فهو غذاء ودواء.
• الفلفل الأحمر الحار: لا يوجد تحفظ من أكل الفلفل الحار، تناوله بكميات معتدلة يساعد على فتح الشهية، هو مفيد ومطهر ومنشط للدورة الدموية، ويحتوي على نسبة عالية من فيتامين C، وينصح بتناوله باستمرار لما فيه من ألياف وفيتامينات مضادة للأكسدة، ومجددة للخلايا في الجسم، وهو يقع ضمن الخضراوات التي يعتقد أنها تقي من الإصابة بسرطان الرئة بإذن الله.
وما يقال عنها من أنها تسبب البواسير وقرحة المعدة، فإنها باستخدام بكميات يستطيع تحملها الإنسان، فإنها لا تسبب تلك الأمراض، لأن البواسير لها أسباب أخرى.
• الثوم: عرف الثوم كدواء وغذاء، لا يستخدم نيئاً أبداً، بل بعد معالجته بالطبخ أو التخليل أو التعتيق، وذلك لزيادة فعاليته والتخلص من الآثار السمية فيه.
يضفي الثوم المحمر أو المحمص طعماً مميزاً ورائحة مرغوبة للأطعمة.
يذكر مؤلف الكتاب استخدامات عديدة للثوم تتراوح بين التغلب على آثار التقدم في السن وعلاج الروماتيزم في المفاصل، ومكافحة نمو الخلايا السرطانية لوجود مادة كبريتيدات الالآيل التي تساعد في كبح الكيميائيات التي تسبب الأورام، ويفيد في علاج الجلطة، ويخفض ضغط الدم المرتفع، وهو علاج ناجح لالتهاب الشعب الهوائية المزمن والالتهابات بشكل عام، إلى علاج آفات البشرة مثل الدمامل والحروق والجروح، وبالنظر إلى الأبحاث التي تمت على الثوم وجد أن الثوم يحتوي مئات من المركبات ذات فائدة في علاج أكثر من مرض، والخلاصة أنه لا توجد وصفة مصنعة كيميائياً تحتوي على ما يحتويه الثوم.
• البصل: له فوائد عظيمة، فهو غني بالفيتامينات والمعادن، وقاتل للجراثيم وخاصة التي تستوطن الفم والأمعاء، فاتح للشهية ويُكافح الالتهابات الهضمية، وينشط عمل القلب والدورة الدّموية، ومنع تخثر الدم، ويحتوي على مواد تعمل على تقوية الجهاز العصبي، مدّر للبول والصفراء ويساعد في حالات تشّمع الكبد، ويساعد على خفض الضغط المرتفع، يُفيد في علاج السعال والالتهابات الصدرية، ويساعد في طرد البلغم والديدان المعوية وحالات التسمم الدموي.
والخلاصة؛ “إذا أردت أن تبتعد عن الطبيب فتناول بصلتين يومياً”، إنها حكمة صينية قديمة شائعة ما زالت شعوب جنوب شرق آسيا تعمل بها لغاية الوقت الحاضر، كذلك قال عنه د. صبري القباني في كتابه “الغذاء لا الدواء”: “البصل صيدلية كاملة”.
الجنسنج: نبات معروف في الصين مند القدم، ويحمل أهمية تاريخية، ويستعمل على نطاق واسع، ومنه انتشر إلى كوريا وبقية دول شرق آسيا وروسيا وأمريكا ثم العالم، له فوائد غذائية وطبية عالية، واستعمالات صناعية متعددة، نتيجة قوته الشافية وخصائصه العلاجية، فهو محفز ومنشط للجهاز العصبي المركزي، ومقو للعضلات، كما أنه مخفض لمستوى سكر الدم، ويزيد من طاقة الجسم عن طريق تحسين هضم الطعام وتمثيله، ولتحسين الدورة الدموية عند الكبار في السن، ويستخدم بفعالية لعلاج التهابات الحلق التي تسببها الميكروبات الكروية، ويزيل الإجهاد والتعب ويساعد على شفاء قروح المعدة، ويزيل الأورام السرطانية.
الكركم: يستخدم بكثرة كصبغة لتلوين الغذاء، وتدخل في إعداد وتركيب بعض البهارات، فهو مرغوب كتابل طعماً ولوناً ونكهة، وفيه فوائد طبية، حيث يعتبر الكركم علاج قبل أن يكون بهاراً، وقد أثبتت الدراسات أنه مضاد للالتهابات ومضاد للأكسدة حيث يحد من انتشار الجذور الحرة ويحمي القلب والشرايين من مشاكل صحية عديدة والوقاية من الخلايا السرطانية ؛ لاحتوائه على مادة “الكيركيومين” القادرة على تثبيط إنتاج الأورام الخبيثة، كما أن الكركم يساهم في الحماية من الجلطات الدماغية والطرفية، كما يسهم إسهامات جيدة في عملية الهضم، ويقي المعدة من التقرحات، ويعمل الكركم على طرد السموم من الكبد وتنقيتها وتنظيفها، وشفاء من الروماتيزم والأعصاب.
الحنطة الخضراء “عشب القمح”: هي السيقان الخضراء لنبات الحنطة في المرحلة الأولى لتكون السيقان الخضراء وقبل أن تتشكل فيها السنابل حاملة حبات القمح، وفي هذا الطور من نمو النبات حيث تحمل السيقان الخضراء كل غذاء النبات وفوائده يتم حصاد السيقان الخضراء للحنطة وتستخدم في التغذية في معظم شعوب العالم.
كان نبوخذ نصر الملك البابلي يعاني من مرض ما لمدة أربع سنوات، لقد كان يعيش على الحنطة الخضراء وغيرها من أعشاب الحبوب والماء فقط فلم يأكل غيرها طوال تلك المدة حتى شفي من مرضه.
أما في وقتنا الحاضر فإن الكثير من أغنياء الغرب ومشاهيرهم يستخدمون مشروباً من الحنطة الخضراء لتهدئة الأعصاب وزيادة القدرة على التركيز في العمل والاحتفاظ بشباب أطول.
فوائد الحنطة الخضراء مهمة ومتعددة، فهي تكافح الإحساس بالإرهاق والتعب، وأفضل علاج لمن يشكون من الإمساك أو الإسهال الخفيف، وتساعد جهاز المناعة بالقضاء على الخلايا السرطانية، وتقدم لطالبي العلاج في عدد من المصحات الطبيعية في المكسيك ضمن السلطة أو شربها كوصفة تساعد على منع الإصابة بالسرطان أو العلاج منه، ويعرف بـ “المشروب الأخضر المضاد للسرطان”.
يختم مؤلف الكتاب بالقول: إن العالم لم يقم بعد باستجلاء القوى الكاملة في الحنطة الخضراء بشكل كاف، وهي إلى الآن تنتظر من يكتشف الإمكانات العلاجية فيها.
إن الحنطة الخضراء هي حقاً طعام الملوك وطعام العامة، ونظراً لصعوبة الحصول على هذه السيقان فقد أوصى علماء التغذية بزراعة حبوب الحنطة إن أمكن في فناء المنزل أو المزرعة، وهي سهلة النمو تستطيع ربة المنزل زراعته في قصرية مغمورة بالماء وتضعها في البلكونة أو النافذة.
مضادات الأكسدة: اكتسبت مضادات الأكسدة أهمية وقائية بسبب قدرتها على تحصين الجسم وحمايته من الكثير من الأمراض، ومنح الجسم القوة والحيوية، واكتساب الوجه نضارة وجمالاً، كما أنها تقي الجسم من أمراض العصر الشائعة المتمثلة بتصلب الشرايين والقرحة المعدية والسكري، وارتفاع ضغط الدم والسرطان، لكونها تمنع تأكسد خلايا الجسم الدهنية المسببة للسرطان.
نحصل عليها في جميع الأغذية النباتية من خضراوات وفاكهة ومعظم الأعشاب الطبية مثل الميرامية، والزيوت النباتية مثل زيت الزيتون والكتان وفول الصويا، وبعض الحبوب مثل القمح والشعير والبقوليات مثل الفاصوليا الحمراء والبازلاء، والمكسرات كالفول السوداني، كما تتوفر في لحوم الأسماك وبيض الطيور، وكذلك أوراق الشاي الأخضر الغضة أو المجففة قبل التخمير.
وبنظرة متأملة للماضي كانت حافلة بالقدرات البشرية الخارقة التي قلبت الأرض وحرثتها لتدفع بغذاء طبيعي حَمَت تلك الشعوب من الأمراض.
لقد عرفنا طريقنا إلى تلك الغاية، سنشهد تقدماً مذهلاً في علاج الأمراض والوقاية منها بالغذاء، سنطالع على أبواب العيادات الطبية يوماً لافتة مكتوب عليها “لكل داء دواء.. من الغذاء”.
منصور الصلبوخ
ختصاصي تغذية وملوثات